الاثنين، 23 مارس 2015

قطرة من حياتي (8) - بين القراءة والواقع

بين القراءة والواقع 
------------------
أعود لأواصل حديثي عن القراءة لكن في مواجهتها للحياة.
عشت بين صفحات الكتب مثل النحلة التي تمتص الرحيق من حديقة الكتب الغنَّاء، من أوراق العلم والفن والشعر والقصص وغير ذلك، عشت مع القصص عوالم خيالية، كنت شغوفاً وسعيداً بها، كلما انتهيت من رواية، عشت مع أخرى، كنت أعيش خارج الزمان والمكان، وبنيت عالمي الخاص، كان كل همي الدراسة، وهي أوراق أيضاً، أخرج منها لأعود، إلى عالم أوراق أخرى.
وجاءت لحظة مواجهة الحياة، كنت أشبه بمن عاش في غرفة معقمة، ثم خرج، خرجت أحمل قيم ومبادئ وتصورات، لا تنبت في أرض الواقع، وكانت الصدمة تلو الصدمة.
عندما ذهبت لنادي الشعر وقرأت قصيدة عن العفة والفضيلة حزنا على إمرأة تبيع شرفها وعرضها وكرامتها، ضحكوا علي.
بحثت في عالم البشر عن مدينتي الفاضلة التي في خيالي، فلم أجدها، كان الإحساس بالغربة يزداد، خصوصاً عندما كنت أقيم علاقاتي وارتباطاتي على افتراضات من عالمي الافتراضي، وأتوقعها في عالم الواقع.
من المسئول عن صناعة هذه الفجوة؟، بالتأكيد أنا، فلم تكن الحياة مع صفحات الكتب وحدها سوى مخدر جميل، إنساب في عقلي، وروحي، شعرت معه بسعادة وهمية، سقطت كلها على مطارق الواقع المختلفة عنها.
أصابني ذلك بعمى في الرؤية، فكنت لا أرى سوي لونين فقط، أبيض وأسود، واختفى عالم الرمادي من إدراكي، فإن أحببت فأعطي كل شئ، وإن كرهت فأمنع كل شئ، كنت أعطي كل شئ في البداية بافتراض أن عالم الواقع هو نفسه عالم الخيال عندي، ثم تأتي الصدمة تلو الأخرى، فأنقلب ١٨٠ درجة، صرت لا يتوقع أحد تصرفي القادم، إنه رد الفعل حين تكون الفجوة كبيرة بين توقعاتي والواقع.
لذلك تحدث ستيفن كوفي أن الإنسان مسئول عن تصرفه، أي أنه response-able ، ليس هناك خطأ، إنها نفسها، responsable، أي أنه قادر able على التحكم في رد الفعل، والسر في اللحظة بين الفعل وردة الفعل عندما يختلف الواقع عن التصور، أو بلغة أعمق، عندما يتلف الواقع (الحقيقي) عن التركيب المقارن (التصور في عقل الإنسان عن نفس الواقع)، وكلما زادت الفجوة، كان رد الفعل أعنف وأشد.
هذه هي المنطقة الرمادية التي تعطي الإنسان الاتزان في رد الفعل، وهي تتكون عندما تكون التصورات مزيجاً من عصير الكتب وعصير الحياة، فيكون الكوكتيل صحياً.
لم أشرب هذا الكوكتيل، بل شربت عصير الكتب في زمن، وعصير الحياة في زمن آخر، فلم يمتزجا، وظلا أسود وأبيض، ولم يظهر اللون الرمادي.
وهذا ما عانيت منه، ومازلت حتى الآن، صحيح بدأ اللون الرمادي في الظهور.
ولكن متأخراً وبعد دفع الثمن باهظاً.
--------------------------
أمين رمضان 13March15

0 التعليقات:

إرسال تعليق