الاثنين، 23 مارس 2015

قطرة من حياتي (6) - مازلت في محيط حب الأم

مازلت في محيط حب الأم 
---------------------------
في المحيطات، طرق آمنة، تعبرها السفن وتسير فيها، فتصل إلى غايتها، وطرق أخرى تتفاداها، لأن بها أخطار مثل الشعب المرجانية وغيرها، تتحطم عليها السفن إذا اقتربت منها.
كذلك مياة الحب، يحتاج الإنسان أن يعرف كيف يسبح فيها، وأي الطرق محفوفة بالمخاطر، وأيها آمنة.
من المخاطر أن تمتزج مياه الحب الصافية بجزر الخوف، كما حدث معي، وتحدثت عنه في قطرة سابقة.
ومن المخاطر أيضاً أيضاً أن تمتزج مياه الحب بجزر الظلم، ونحن البشر لا نملك أن نتحكم في أمواج الحب، أو خط سيرها، خصوصاً في مرحلة الطفولة البريئة، فتسير أمواجه بلا حواجز أو سدود تتحكم بها، وتوجهها هنا أو هناك، ثم نكبر فتكبر معنا الحواجز، وتؤثر في تدفق هذا الحب ومسارة، هذه بشريتنا، ولا يصلحها إلا أن يكون منبع هذا الحب هو الله، الذي أمرنا بالعدل في كل الأحوال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة (8)).
قمة سامقة من الدعوة للعدل حتى مع الأعداء
-----------------
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخى العدل بين زوجاته، العدل المادي، ثم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، وأنت تعلم بما تملك ولا أملك)
حتي نتعلم العدل الغير متأثر بمشاعرنا، حباً أو كرهاً.
----------------
لكن الحياة التي عشتها صارت في طريق آخر، فتحول حب أمي لي إلى تمييز بيني وبين إخوتي، كانت تفضلني عليهم (لم تكن تعرف قصة يوسف عليه السلام، والغيرة التي ترعرت في نفوس إخوانه بسبب التمييز في المعاملة)، كان للتمييز دوافع كثيرة كما أراها الآن، ربما لتفوقي الدراسي، في بيئة تعتبر الأسرة نجاح أبنائها نجاح لهم، وفشل أبنائها فشل لهم، وما زالت هذه الثقافة سائدة، وما زالت ثمارها المرة تترعرع في نفوس الأبناء الأبرياء، وكم الطلاب أو الأبناء الذين رأيتهم يعانون من ذلك كثير، مع تنوع المستوي التعليمي للأم والأب، بل إن الحالات التي رأيتها لأصحاب الشهادات العليا أكثر.
---------------
صحيح أنها كانت تبذل جهداً مع الجميع، وتحب الجميع، لكن كنت متميزا، فماذا أثمر ذلك في المستقبل؟، ظللت أشعر بالذنب إلى هذه اللحظة، وأحسست كأنني أنا المسئول عن ذلك، مع أن الحقيقة ليست كذلك، وهذا دفعني (بجانب أسباب أخرى) أن أقف مع عائلتي وأعوضهم عما أكون ربما أخذته من حقوقهم، وما زلت أتواصل مع الأحفاد، وأبناء أخواتي، لعلهم يتفادوا جزر شرب منها الحب الذي تنفسناه من قبل.
--------------
وجاءت لحظة صعبة، بل من أصعب لحظات حياتي، حين علمت بنبأ وفاة أمي وأنا في السعودية، وهي في الاسكندرية، وتم دفنها دون أن أكون موجوداً، وحجزت للنزول، وبعض أصدقائي يريدون إثنائي عن النزول، والحجة هي المصاريف التي لا داعي لها خصوصاً وأنها دفنت.
لكنني كنت أري شيئاً آخر لا يعرفونه، معذورون، عندما ينهار العمود الأساسي الذي يحمي الخيمة من السقوط، تنهار الخيمة كلها، مالم تتداركها بدعامات جديدة.
سافرت وجمعت إخوتي (أخ و٣ بنات)، وعرفت منهم كل ما تركته أمي (وهو قليل، لكن النفوس لا تحيا بهذا المنطق)، ووزعته عليهم دون أن آخذ شيئاً، فقالوا لي أن أنها أهدت عقداً لأختي، فاشتريته، ووزعت ثمنه بنفس الطريقة، ثم سألتهم إن كان أحد يريد شيئاً آخر فليخبرني، ومستعد أن أعطيه.
----------------
سكت الجميع، وانصرفوا في رضى، وتم وأد الفتنة، التي نزلت من أجلها وتكلفت في السفر أكثر مما تركت أمي رحمها الله، لكن تم وأد الفتنة، وتم العبور بقوارب الحب بعيدا عن جزر الظلم الموجودة في حياتنا جميعاً.
----------------
رحم الله أمي رحمة واسعة، وغفر لها، وجزاها عما قدمت خير الجزاء
أمين رمضان 6April2015

0 التعليقات:

إرسال تعليق