الاثنين، 23 مارس 2015

قطرة من حياتي (5) - أمي وسلاسل الحب

أمي ... وسلاسل الحب
-------------------------
الحب عاطفة إنسانية نبيلة .. خصوصاً حب الأم .. لأنه الحب الوحيد الذي تعطيه الأم بلا مقابل .. حتي مع العاقين من أبنائها .. حب لا يتوقف بسبب جحود أو إهانة أو نكران من الأبناء.
لذلك كانت وصية الله سبحانه وتعالى للأبناء بالوالدين .. وخاصة الأم .. ولم يوصي الله سبحانه وتعالى الوالدين بالأبناء .. لأن حبهما لأبنائهما فطرة مركوزة فيهما.
ومن لا يبر الوالدين وخصوصاً أمه .. فسوف يتوه في دروب الحياة ويتجرع مراراتها .. ليست هذه كلمات .. ولكن هذا ما رأيته في واقع الحياة.
أحبتني أمي (رحمها الله رحمة واسعة) .. حب بلا حدود .. وهذا جميل .. لكنه تحول وكبر معي إلي سلاسل وقيود.
أحبتني .. لأنني كنت أول من قدر الله سبحانه وتعالى له الحياة من أبنائها .. بعد أن مات قبلي اثنان .. واتهمها أقارب أبي بأنها تقتل أولادها .. وهذه آفة كانت تعيشها معظم الأسر في القرية .. كذلك التدخلات المدمرة بلا وجه حق .. وزاد الحب بعد أن سرت في طريق النجاح بلا مشاكل.
المهم تدثر الحب بالخوف .. فنشأت سعيداً بالحب .. ولكن مقيداً بسلاسل الخوف ..
كانت دعوتها الدائمة لي .. أن أكون بجوارها دائماً .. وكنت أمزح معها أحياناً بعد أن كبرت .. وأقول لها .. ياريت تربطي رجلي في رجلك بسلسلة .. لكن رغم أنها كانت مزحة فيبدوا أنها كانت حقيقة فعلاً .. وإن لم تكن السلاسل من حديد .. لكنها كانت منسوجة بخيوط الحب .. والحمدلله أنها لم تكن متعلمة لتعرف وتتابع دراستي .. وإلا كنت فشلت .. ولسبب ذلك ضغطاً نفسياً وتوتراً .. كما فعلت أنا في بداية حياتي الأسرية .. وكما رأيت مع الكثير من طلاب الجامعة .. خصوصاً في البيئات القبلية .. عندما يكون الأب شيخ قبيلة .. يحكم القبيلة بمنطقه هو وحده .. لكن بفضل الله تبت .. فكنت عندما أنصح أصدقائي .. أقول لهم ضاحكاً .. إسمعوا كلام ديكتاتور تاب ..
ربطتني سلاسل الحب (أقصد الخوف) .. فمنعتني من تعلم العوم .. رغم حياتي الطويلة في مدينة الإسكندرية وذهابي مع أصدقائي للبحر .. ونزولي الماء .. لكنني كنت لا أسمح له بأن يتعدى عنقي .. وإذا غطست تحت الماء .. أخرج بسرعة .. من الخوف .. كانت أمي تحذرني من البحر .. وتلحس يدي لتتأكد من أنني لم أنزل البحر .. لماذا؟ .. لأنها سمعت عن قصص الغرقى .. ولم تسمع عن قصص السباحين وأبطال سباحة المسافات الطويلة وعبور بحر المانش .. لكن أكبر مشكلة كنت أواجهها عندما أذهب لشاطئ العجمي الساحر في ذلك الوقت .. بمدينة الإسكندرية .. فرماله تلتصق بالجلد ولا تخرج كلها حتي بعد أخذ دش ماء حلو .. مهما طالت مدته .. فكانت الفضيحة والعتاب والبكاء .. عندما ترى الرمال علي يدي >>> وتعلمت السباحة وأنا عمري ٣٥ عاماً .. في حمام سباحة جامعة الملك فهد بالظهران - السعودية، حيث كنت طالب ماجستير في ذلك الوقت .. أخذت دورة في السباحة .. وتعلمتها على كبر .. لكن الطفل في داخلي .. لم يمت .. وظل الخوف موجوداً عند نزولي البحر .. فكنت بمجرد أن يكون عمق البحر أكثر من طولي .. أعود للخلف .. فقدت متعة السباحة في المياة العميقة .. ولم أعرفها إلا عندما أخذت دورة في الغوص .. نعم لا تستغربوا لهذا التحول .. وأغريت أبنائي بما حرمت منه .. فأخذوا دورات في السباحة وهم صغار .. وشاركوني الغوص أحياناً .. وصاروا أعضاء في فريق الجامعة للسباحة .. ولو كانوا في جامعات غربية .. لحصلوا على بطولات .. عندما كنا نذهب لشاطئ نصف القمر .. بالعزيزية (السعودية) .. كانوا يسبحون لمسافات طويلة داخل البحر .. وأقف أنا عندما لايكون لي طول في المياه .. وأدخل قليلاً .. بسبب الخوف الذي مازال عندي من أكثر من نصف قرن .. الحمدلله أنني فصلت خوفي عن حبي .. فانطلق أولادي في حياتهم .. وليس حياتي.
ربطتني سلاسل الحب (الخوف) أيضاً .. عندما كنت في السنة الثالثة بكلية العلوم جامعة الإسكندرية - قسم الجيولوجيا .. وبعد انتهاء العام الدراسي .. أعطتني الجامعة عقد صيفي للتدريب في شركة بترول إيرانية في طهران (بحكم تفوقي) .. كدت أطير من الفرح .. وأنا أحمله .. طرت إلى أمي لأخبرها .. فإذا بها تدخل في نوبة بكاء .. لأنها لم تكن تتصور أو تتخيل أبداً .. أن يمر يوم دون أن تراني .. يبدوا أنه بدأ حب أمي داخلي يكبر كثيراً .. وبدأت نفسي تأبى أن أراها في حالة ضعف أو توسل .. فما كان مني إلا أن أعطيتها العقد .. وقلت لها لن أسافر .. وضاعت عليا فرصة .. لعل الله سبحانه وتعالى .. أراد لي خيراً .. بل أنا متأكد من ذلك .. فلا أدري .. ما الذي كان سيحدث لو سافرت إلى إيران في ذلك العام ١٩٧٣ ميلادي ..
ثم جاءت اللحظة الفاصلة التي لا أستطيع إلا أن أختار فيها .. السفر .. نوفمبر عام ١٩٨١ .. تم قبولي بجامعة البترول والمعادن بالسعودية في ذلك الوقت (جامعة الملك فهد للبترول والمعان الآن) .. لدراسة الماجستير .. فكانت أصعب لحظة .. عندي وعند أمي .. فسافرت .. وكانت أول مرة أركب الطائرة .. وعندما أرادت السلاسل أن تتمدد أكثر .. بدأت تتكسر
------------------------
أمين رمضان 5March15

0 التعليقات:

إرسال تعليق