الميمات والجينات
للدكتور
أمين رمضان
يعيش الإنسان في مجموعات بشرية مختلفة على سطح الكرة الأرضية، وفي
أجيال متعاقبة. ويحتفظ الجيل اللاحق بالصفات الوراثية من الجيل السابق عن طريق الجينات
Genes المسجل عليها هذه الصفات داخل نواة الخلية في إعجاز
رباني بالغ.
والملاحظ عبر تاريخ الحياة على الأرض أن الصفات الوراثية أو الجينات يحدث لها الآتي:
1.
بعضها ينتقل من جيل لجيل كما هو بدون تغيير ليحافظ على سمات أساسية
مهمة
2.
بعضها ينقرض فلا تظهر هذه الصفات في الأجيال اللاحقة، أو قد ينقرض
النوع كله لأنه لم يتكيف مع البيئة الجديدة
3.
وبعضها يتحور إلى شكل جديد
4.
وبعضها قد يكون جديدا يظهر لأول مرة في جيل معين
هذا التغيير الهدف منه الحفاظ على النوع والتأقلم مع البيئة، والذي لا
يتأقلم ينقرض
(Innovate or evaporate). والذي يحكم ذلك كله السنن
الربانية في الخلق، والإنسان يعيش مع هذه الحقائق العلمية، أو سنن الله الكونية،
محاولاً إكتشاف أسرارها.
هناك أيضا وحدات صغيرة من الثقافة التي تعيش في عقول وقلوب الأجيال
المختلفة، وتنتقل معهم من جيل إلى جيل، ويحدث لها يالضبط ما يحدث للجينات، ولذلك
سماها العلماء الميمات Memes ، وهي التقاليد أو العادات التي يمارسها الناس
سلوكياً بسبب المعتقدات أو الموروثات الثقافية التي يحملونها في عقولهم، صحيح يمكن
أن تكون هذه الميماتدينية أو حياتية، لكني سأقتصر على الميماتالحياتية في حديثي.
فالجينات تحمل السمات المادية وهي وحدة السمات المادية، والميمات هي
الوحدة الثقافية للسمات المعنوية أو العادات ،الجيناتلا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها
بطريقة مطلقة، لكن ماذا عن الميمات؟
وأيضا تمر الميماتمن جيل إلى جيل بمراحل مختلفة،
تشبة بالضبط ما يحدث للجينات، وهي:
1
. بعضها ينتقل من جيل لجيل كما هو بدون تغيير
2
. وبعضها ينقرض
3.
وبعضها يتحور إلى شكل جديد
4
. وبعضها قد يكون جديدا يظهر لأول مرة في جيل معين
عندما تنتقل العادات أو الميماتبدون وعي، يختلط المفيد بالضار،
وتصبح العادات عبادات، يدافع عنها الإنسان حتى الموت، لكن الوعي هو الذي يمكن أن
يراجع هذه الموروثات (الميمات)، فيبقي على الصالح، ويتخلى عن الطالح، ويطور ما
يحتاج تطوير، ويضيف الجديد الذي تحتاجه الظروف الجديدة للحياة، ومن لا يفعل ذلك
يصاب بالجمود أو التيبس، فتتجاوزه الحياة، فلا يعيش عصره.
والموقف الخطأ لأي جيل، هو الرفض الكلي لهذه الموروثات (الميمات)،
وأيضاً القبول الكلي لها، أما الموقف الصحيح فهو مراجعتها وغربلتها، ليعرف المفيد
منها، حسب معتقداته وقيمه، فيبقيه، والضار فيلغيه، وما يحتاج لتطوير فيطوره،
والجديد الذي يحتاجه فيوجده.
كل ذلك يمكن أن نسميه تغيير أو تطوير، وواضح أنه لا يعني إلغاء الماضي،
أو قبوله كله كما هو.
عندما جاء الإسلام، وجد ميمات أو موروثات تمارسها القبائل، فأبقي على
ما يتفق مع منهجة (مثل زواج اليوم)، وألغي ما يتعارض معه (مثل الأنواع الأخرى من
النكاح التي كانت موجودة)، وطور ما يحتاج تطوير (مثل الطواف بالبيت)، وأوجد الجديد
الذي لم يكن موجوداً (وهو كثير) بحيث تصبح حركة الحياة الجديدة وفق التصور
الإسلامي الجديد ومنسجمة معه، ووضع الأطر العامة لحركة الحياة، تاركاً للإنسان
حرية الحركة داخل هذه الأطر.
في عالم الحيوان يتم نقل هذه الميماتبالغريزة، فلا تتطور الحياة عبر
أجيالها اللاحقة، وتظل تعيش بنفس العادات آلاف السنين.
أما الإنسان فقد وهبه الله سبحاته وتعالى القدرة على الاختيار، ولا
يستطيع أن يفعل ذلك إلا إذا كان يمتلك الأداة التي تعينه وتساعده في عملية
الإختيار، وهي العقل البشري أو الوعي، وعندما لا يفكر فيما يفعل، يكون في درجة
متدنية، لأنه عطل أغلى أداة وهبه
الله سبحانه وتعالى إياها، وهي العقل.
بقلم
الدكتور أمين رمضان
الظهران 2 شوال 1433 – 20 أغسطس 2012
0 التعليقات:
إرسال تعليق